Home سوريا سقوط الديكتاتور

سقوط الديكتاتور

رحلة شاب سوري من ثورة الأمل إلى واقع الانتصار

by Mohammed Alsheikh

لم يكن عمري يتجاوز 13 عامًا عندما بدأ كل شيء. كان ذلك في 2011، عامٌ بدت فيه حياتنا وكأنها تتغير جذريًا بين ليلة وضحاها. كنت طفلًا في مدينة حمص، أعيش أيامًا عادية، أركض في الأزقة، وأعود إلى البيت منهكًا بعد ساعات طويلة من اللعب. ثم فجأةً أصبحت مدينتي ساحة للمظاهرات، وسرعان ما تحول الهتاف إلى صدى رصاص. لم أفهم كل ما كان يحدث آنذاك، لكني كنت أشعر أن العالم حولي يهتز. ومع استمرار تدهور الوضع، قررت عائلتي أن نعود إلى موحسن، مدينتنا الصغيرة في ريف دير الزور، علّنا نجد بعض الهدوء هناك. في صيف 2012، تحررت المدينة، وكان ذلك كالحلم؛ أن ترى النظام ينسحب وتشعر بأن هناك مساحة صغيرة من الحرية تتنفسها. قبل تحرير المدينة بشهرين أو ثلاثة، كانت المظاهرات تخرج في المدينة تطالب بالحرية، العدالة وإسقاط النظام، وكنا نشارك فيها بكل شجاعة. وكان من الرائع أن نرى صورنا في القنوات الإخبارية، في لحظة شعرت فيها أننا جزء من الثورة، جزء من الحراك السلمي في بداية الثورة.

 

في عام 2015، كنت في السادسة عشرة من عمري، وكنت أشعر أنني عالق في دائرة مغلقة. القصف المستمر والقيود اليومية لم يتركا لي أي أمل بالبقاء. قررت أن أترك سوريا بحثًا عن حياة أفضل. عندما وصلت إلى تركيا، ظننت أنني قد أجد نوعًا من الاستقرار هناك، لكن الواقع كان مختلفًا تمامًا. فقررت البحث عن آفاق جديدة، فكانت أوروبا هي الوجهة. وعندما وصلت إلى ألمانيا، كنت في السادسة عشرة من عمري، ووصلت وحيدًا. بدأت حياتي من الصفر في مكان غريب، بلغة لا أفهمها، وثقافة لم أعتد عليها. كانت تلك بداية جديدة، لكنها كانت مليئة بالتحديات والصعوبات، مثل اللغة التي كانت حاجزًا كبيرًا أمام تواصلي مع الآخرين، وكذلك الاختلاف الثقافي الذي جعل بعض التصرفات التي كنت أعتقد أنها مقبولة غير مفهومة هنا. إضافة إلى ذلك، كانت الوحدة من أكبر التحديات التي واجهتها.

 

مرت السنوات، وتكيفت مع الحياة الجديدة في ألمانيا بسبب الواقع المختلف، وبسبب التعاون من الحكومة مع الوافدين، وحسن التعامل والرعاية التي تلقيتها كطالب سوري والتي تلقاها جميع الوافدين واللاجئين على جميع الأصعدة. عشت تحديات لم أتخيلها يومًا، وأنا ممتن جدًا لهذا الدعم الذي قدمته الحكومة لي في بداية مشواري في ألمانيا. وفي أكتوبر 2024، حصلت على الجنسية الألمانية، وهو إنجاز شعرت أنه بداية جديدة.

 

لكن رغم كل ذلك، كنت أفتقد شيئًا مهمًا جدًا: عائلتي. لم أرَ أهلي منذ أكثر من عشر سنوات، وكنت أخطط للقائهم في بلد ثالث، ربما لبنان أو مصر أو حتى إقليم كردستان العراق. لكن خططي كانت دائمًا تصطدم بواقع مادي صعب؛ كطالب جامعي، لم أكن أملك القدرة على تحمل تكاليف سفر كهذا، خاصة وأن أهلي في سوريا لم تكن لديهم الإمكانيات لتحمل نفقات الرحلة أيضًا. وسط هذه الخطط التي لم تكتمل، كانت الأخبار من سوريا تتسارع. تحرير حلب، ثم حماة، وبدأت أترقب تحرير حمص بفارغ الصبر، لأنها المدينة التي تحمل أجمل ذكرياتي.

 

في 8 ديسمبر 2024، حدث ما لم أكن أتخيله. سقط نظام بشار الأسد، وتحررت سوريا بالكامل. كنت أظن أن المعارك ستستمر لفترة أطول، وأن لقائي بعائلتي سيكون في بلد آخر. لكن فرحتي لم توصف عندما أدركت أنني سأعود إلى حمص، إلى بيت طفولتي، إلى ذلك المكان الذي لطالما حلمت بالعودة إليه. لم أكن بحاجة لأي ترتيبات؛ كل شيء حدث بشكل مفاجئ وساحر. سأرى أمي وأبي في المنزل الذي عشت فيه أجمل أيام حياتي.

 

عندما أنظر إلى رحلتي، أدرك أنني لست سوى عينة من ملايين الشباب السوريين الذين عاشوا نفس المعاناة. صحيح أنني تحملت الغربة وصعوباتها، لكن هناك من قدموا أثمانًا أغلى بكثير؛ هناك من فقدوا منازلهم وأرواحهم، وهناك من قضوا سنواتهم في المعتقلات. ربما غربتي كانت أقل ألمًا مما عاشوه، لكنها لم تكن سهلة أبدًا. أن تُجبر على العيش بعيدًا عن وطنك، أن تُنتزع من لغتك وثقافتك وتبدأ من الصفر في مكان غريب، هو شعور لا يمكن وصفه. ورغم كل ذلك، أشعر بالفخر لأنني كنت جزءًا من هذه المرحلة المفصلية في تاريخ سوريا. أشعر أننا دفعنا الثمن الأكبر من أجل سوريا جديدة، وأحلم أن تكون بلادنا يومًا ما واحدة من أفضل البلدان في الشرق الأوسط، بلدٌ يعيش فيه الجميع بحرية وكرامة. ربما لم أرَ ثمرة تضحياتي كاملةً بعد، لكنني واثق أن الأجيال القادمة ستعيش في وطنٍ أفضل، وأن معاناتنا لن تذهب هباءً، بل ستبقى شاهدًا على أن الحرية لها ثمن، وأننا دفعناه عن طيب خاطر.

 

محمد الشيخ

You may also like

Leave a Comment